لماذا انطلقت الثورة الصناعية من بريطانيا دون غيرها وكيف غيرت وجه التاريخ؟

على مدى آلاف السنين، كان الإنسان مقيدًا بالأرض، يكدح فيها ليل نهار من أجل البقاء. فقد اعتمدت الغالبية العظمى من سكان العالم على الزراعة والرعي كمصدر رزق، مما عرّضهم لأمراض شائعة في تلك البيئة القاسية.

وفيما يلي، يستعرض لكم صوت المجلة تفاصيل عن سبب انطلاق الثورة الصناعية في بريطانيا.

الثورة الصناعية

شهدت الثورة الصناعية في أوروبا ميلاد الكهرباء، وهو الاكتشاف الذي أطلق شرارة ثورة علمية هائلة، وتلا ذلك تطورات مذهلة في مجال الفيزياء، بلغت ذروتها باكتشافات أينشتاين وغيره، مما مهد الطريق لاختراعات غيرت وجه العالم، كالاكتشافات الجوية والفضائية، والاتصالات السلكية واللاسلكية، والتكنولوجيا النووية، وأشباه الموصلات التي تشكل اليوم محور التنافس بين الدول الكبرى.

وانطلق قطار الثورة الصناعية إلى الثورة الكهربائية، ومنها إلى التكنولوجية الحالية، بفضل ما حدث في بريطانيا خلال القرن الثامن عشر الميلادي.

لماذا انطلقت الثورة الصناعية من بريطانيا

انطلقت الثورة الصناعية من بريطانيا، رغم أن دول القارة الأوروبية كانت تشهد طفرة كبيرة في المجالات العلمية والأدبية والفلسفية خاصة، ألمانيا وإيطاليا وفرنسا.

وفي منتصف القرن السابع شهدت بريطانيا تحول تاريخ غير مسارها السياسي تحديدًا في عام 1649، حيث قاد أوليفر كرومويل القائد العسكري البارز وزعيم الثوار الإنجليزي تمردا ضد الملكية الاستبدادية ونفوذ الطبقة الاقتصادية التي هيمنت على البلاد.

اقرأ أيضًا.. كيف تحولت شركة صغيرة إلى قوة عالمية.. اعرف حكاية شركة الحكمة الأردنية

سلطة البرلمان

وتمكن كرومويل من الانتصار على الملك تشارلز الأول وإعدامه ليعلن بذلك تأسيس الجمهورية البريطانية لأول مرة في التاريخ الانجليزي الحديث، أدى هذا التحول إلى تعزيز سلطة البرلمان، وتثبيت مبدأ الحكومات المنتخبة، مما ارسى قواعد جديدة للحكم قائمة على تقليص سلطات الملك.

 ورغم عودة الملكية بعد وفاته بعشر سنوات، بقيت هذه الإصلاحات الثورة راسخة، وأصبح الملوك الجدد ملزمين باحترامها والالتزام بها خاصة، فيما يتعلق بدور البرلمان وانتخاب الحكومة.

وهذا التغيير العميق في بنية السلطة ساهم في توفير استقرار سياسي نادر، وكان هذا بوادر لعصر جديد من الابتكار والتطور.

عصر الابتكار والتطور

لم تقتصر ثمار الثورة الصناعية على بريطانيا وحدها، بل امتدت لتشكل نقلة نوعية في مسار الحضارة البشرية، ومهّدت مجموعة من العوامل المتكاملة السبيل لهذه الثورة في بريطانيا، أبرزها توافر الموارد الطبيعية الوفيرة مثل الفحم الحجري والحديد، اللذين شكلا العمود الفقري للصناعة الناشئة.

ولعبت الأنهار، مثل التايمز وسفر، دورًا حيويًا في توفير الطاقة اللازمة لتشغيل المصانع وتسهيل حركة النقل، مما جعل بريطانيا بيئة خصبة لانطلاق هذه الثورة الصناعية.

 القطن الأمريكي

كانت مستعمرات بريطانيا مثل الولايات المتحدة الأمريكية والهند، تقدم المواد الأولية الحيوية مثل القطن والصوف، مما دعم ازدهار وصناعة النسيج البريطانية.

وكان القطن الأمريكي على وجه الخصوص يشكل حجر الزاوية للصناعات النسيجية المتنامية في مانشستر.

اليد العاملة وتطور الصناعة

شكلت اليد العاملة الوفيرة أحد العوامل الحاسمة التي ساعدت في دعم هذه الحركة الصناعية، حيث أتاح التوسع الزراعي الذي بدأ في القرن الـ 18 لعشرات الآلاف من الفلاحين فرصة الخروج من الريف والانخراط في العمل الصناعي.

ومع تحول الزراعة إلى نشاط أكثر كفاءتهم، تم تقليص عدد العمال المطلوبين في الحقول، مما اسهم في توفير فائض من اليد العاملة التي كانت في حاجة ماسة إلى العمل في المصانع الناشئة، وساهمت في تحسين الظروف الصحية ونقص معدلات الوفيات وارتفاع معدلات المواليد في تعزيز النمو.

المخترع الاسكتلندي جيز وات

 بجانب كل هذه العوامل كان هناك شخص واحد كان له النصيب الأكبر من هذه الثورة انه المخترع الاسكتلندي جيز وات، حيث ابتكاره الثورة الذي اشعل الثورة الصناعية للمحرك البخاري في عام 1765.

وبعد تطوير نظام إعادة استخدام بخار الماء، استطاع، أن يحسن كفاءة المحرك بشكل غير مسبوق، مما أدى إلى زيادة هائلة في الإنتاجية وتحول في طريقة العمل في المصانع، لم يكن إنجازه مجرد تحسين تكنولوجي بل كانت نقطة انطلاق جديدة لعصر من الابتكار والإبداع، حيث اجتذبت أفكاره المتجددة المستثمرين الذين تدفقوا على مشاريع الصناعة الناشئة.

القوانين والبرلمان البريطاني

قد ساهمت القوانين التشريعية التي قرر البرلمان البريطاني منذ عام 1651 في إرساء قواعد تجارية ملزمة، مما عزز استهلاك المنتجات البريطانية في المستعمرات في الهند والأمريكيين، حيث أصبحت هذه الأسواق مصدرة مهما لعائدة التجارة البريطانية.

ومن هنا أدركت الحكومة البريطانية أهمية تحديث شبكات النقل وتحفيز النشاط التجاري وفي ظل هذه البيئة الداعمة تمكن الفلاحون والعاملون البسطاء من تحويل انفسهم إلى أصحاب مصانع، مما أوجد طبقة جديدة من رجال الأعمال الذين ساهموا في دفع عجلة الثورة الصناعية مع بدايات القرن الـ19

عرفت دول أوروبا وعلى رأسها فرنسا التصنيع متأثرة بالثورة الصناعية البريطانية.

ودخلت فرنسا عصر التصنيع بشكل فعلي بعد ثورة 1700، وتحديدًا ما يعرف بفترة ملكية .

ودخلت ألمانيا ومعها أغلب بلدان أوروبا الغربية على نفس النهج، ولم تصبح ألمانيا دولة صناعية إلا في النصف الثاني من القرن الـ 19.

ونعيش اليوم في أعماق الثورة الصناعية الرابعة، حيث تتداخل الذكاء الاصطناعي في تفاصيل حياتنا.